ومازال الحوار مستمرا.. د. علي الدين هلال يؤكد:
لم يتراجع دور مصر الثقافي
رغم تاثير الثروة والاعلام في البلاد العربية
[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]د. علي الدين هلال
لم يتراجع دور مصر الثقافي
رغم تاثير الثروة والاعلام في البلاد العربية
[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]د. علي الدين هلال
تابعت
باهتمام النقاش الثري الذي شهدته هذه الصفحة تحت عنوان' هل تراجع دور
مصر الثقافي؟'. وكان من الطبيعي أن تتنوع الآراء وتختلف وأن يكون هناك
أكثر من رأي بشأن الإجابة عن هذا السؤال وعما إذا كان قد تراجع هذا الدور
أم لا وأن يكون هناك أكثر من رأي بشأن أسباب ذلك. علي أنه من الضروري
قبل إبداء الرأي في هذا الموضوع أن نتفق علي عدد من الأمور التي تتعلق
بالمنهج:
أولها.. ضرورة تحديد مفهوم الدور الثقافي لبلد ما وما مؤشراته التي يمكن
قياسها ووفقا لذلك يتم الحكم علي ما إذا كان هذا الدور قد زاد أو تراجع.
وثانيها أن أي دور له بيئته الموضوعية والاجتماعية وأنه ينشأ في إطار ظروف
معينة. وأنه إذا ما تغيرت تلك الظروف فإنه يترتب علي ذلك أن يتغير هذا
الدور أو يتطور دون أن يعني هذا بالضرورة تراجعا أو انتقاصا له. وثالثها
أن الدور الريادي لأي بلد في مجال الثقافة لا يكون بالإدعاء من جانب هذا
البلد بل بالقبول والتسليم به من الآخرين.
وعندما نبحث في موضوع الدور الثقافي لمصر في المنطقة العربية والإقليم
الأوسع من حولها فسوف نجد أن لذلك مصادر موضوعية مؤكدة. منها السبق
التاريخي فقد كانت مصر من أولي الدول التي تبلورت فيها فنون الثقافة
المختلفة والتي صدرت فيها المجلات الثقافية المتخصصة ونشأت فيها صناعة
السينما والمسرح. أضف إلي ذلك المناخ المناسب الذي شجع كثير من المبدعين
والمثقفين الشوام علي القدوم إليها في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن
العشرين. ومنها أن هذا السبق الزمني أرتبط أيضا بالسبق في الحصول علي
الاستقلال عام1923 وأن مصر استمرت حتي مطلع الستينيات أغني الدول
العربية في وقت كانت غالبية المنطقة تعيش في أجواء تعليمية وسياسية مختلفة
تماما.
ومن منتصف ستينيات القرن الماضي تغيرت الظروف الموضوعية في المنطقة فحصل
عدد أكبر من الدول العربية علي الاستقلال وتعرضت مصر لهزيمة موجعة في
عام1967 ثم حدث التحول في موازين القوي الاقتصادية والمالية وسعت دول
عربية إلي إنشاء مؤسساتها الفكرية والثقافية مستخدمة في ذلك أعدادا كبيرة
من المثقفين المصريين وقامت بإنشاء جوائز ثقافية كبري كما وظفت أجهزة
إعلامها لتسليط الضوء علي أحداث وشخصيات بعينها..
فهل يعني هذا بالضرورة تراجع دور مصر الثقافي ؟.. إنني لا أميل إلي
الحديث عن تراجع وإنما يكون من الأدق القول إنه برزت مؤسسات وأنشطة ثقافية
في بلاد عربية أخري وإن هناك توظيفا أكبر للثروة للتركيز علي هذه
الأنشطة. ولكن من المؤكد أنه ليس في وسع الثروة أو التركيز الإعلامي أن
يخلق دورا ثقافيا.
فالثقافة هي ثروة مصر الحقيقية ومصدر تميزها وخصوصيتها بين دول العالم بل
أكاد أقول أن كلمة' مصر' هي تعبير ثقافي في حد ذاته يثير في أذهان
سامعيه تاريخا طويلا وحضارة ممتدة وتكوين اجتماعي وطني تبلور عبر مئات
السنين. ومن إدراك هذه الحقيقة فإن الإنسان يرحب بأي تطور أو نشاط ثقافي
في أي بلد عربي ولا يعتبر ذلك انتقاصا من الدور المصري بل إثراء له وتفاعل
معه.
ويستطيع الإنسان أن يسجل العديد من جوانب دور مصر الثقافي الراهن. ويكفي
أن أشير بإيجاز إلي الدور الثقافي الذي تقوم به مكتبة الإسكندرية و إلي
حصاد مشروع مكتبة الأسرة الذي اعتبرته منظمة اليونسكو نموذجا يحتذي به
وإلي تكريم الثقافة العربية في شخص نجيب محفوظ وحصوله علي جائزة نوبل وإلي
المساحة التي يشغلها الإنتاج السينمائي والمسرحي والدرامي المصري في جميع
الفضائيات العربية... وأخيرا أشير إلي إدراك المثقف أو المبدع العربي
إلي أهمية أن يكون له مكان ونشاط في القاهرة باعتبارها عاصمة الثقافية
العربية.
ومع ذلك فمازال أمام مصر تحديات لتأكيد دورها الثقافي وبعث الحيوية فيه
لعل أبرزها تحدي محو الأمية ونشر التعليم ورفع جودته وإدراك أن الثقافة
ليست عملا نخبويا يتم في صالات وغرف مغلقة بل هو نشاط يتعامل مع الملايين
يعبر عنهم ويتجاوب معهم وأن تشجيع المبدعين الجدد خارج العاصمة هو ضمانة
التجديد الثقافي. فمعين شعب مصر لا ينضب.
ويبقي القول أن أي دور لابد أن يتضمن' رسالة' و' مضمونا' والرسالة
الثقافية المطلوبة اليوم هي رسالة الدفاع عن العقل في مواجهة دعاوي
الخرافة التغييب العقلي وهي رسالة إقامة مجتمعات حديثة تقوم علي
الديمقراطية والعدل الاجتماعي; الديمقراطية التي تنهض علي مفهوم
المواطنة التي تضمن المساواة بين جميع المواطنين ويكون أساسا للعلاقة بين
الحاكم والمحكوم والعدل الاجتماعي الذي يضمن تكافؤ الفرص وان يكون لكل
مواطن نصيبه في ثروة بلده وعائد التنمية فيه.
باهتمام النقاش الثري الذي شهدته هذه الصفحة تحت عنوان' هل تراجع دور
مصر الثقافي؟'. وكان من الطبيعي أن تتنوع الآراء وتختلف وأن يكون هناك
أكثر من رأي بشأن الإجابة عن هذا السؤال وعما إذا كان قد تراجع هذا الدور
أم لا وأن يكون هناك أكثر من رأي بشأن أسباب ذلك. علي أنه من الضروري
قبل إبداء الرأي في هذا الموضوع أن نتفق علي عدد من الأمور التي تتعلق
بالمنهج:
أولها.. ضرورة تحديد مفهوم الدور الثقافي لبلد ما وما مؤشراته التي يمكن
قياسها ووفقا لذلك يتم الحكم علي ما إذا كان هذا الدور قد زاد أو تراجع.
وثانيها أن أي دور له بيئته الموضوعية والاجتماعية وأنه ينشأ في إطار ظروف
معينة. وأنه إذا ما تغيرت تلك الظروف فإنه يترتب علي ذلك أن يتغير هذا
الدور أو يتطور دون أن يعني هذا بالضرورة تراجعا أو انتقاصا له. وثالثها
أن الدور الريادي لأي بلد في مجال الثقافة لا يكون بالإدعاء من جانب هذا
البلد بل بالقبول والتسليم به من الآخرين.
وعندما نبحث في موضوع الدور الثقافي لمصر في المنطقة العربية والإقليم
الأوسع من حولها فسوف نجد أن لذلك مصادر موضوعية مؤكدة. منها السبق
التاريخي فقد كانت مصر من أولي الدول التي تبلورت فيها فنون الثقافة
المختلفة والتي صدرت فيها المجلات الثقافية المتخصصة ونشأت فيها صناعة
السينما والمسرح. أضف إلي ذلك المناخ المناسب الذي شجع كثير من المبدعين
والمثقفين الشوام علي القدوم إليها في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن
العشرين. ومنها أن هذا السبق الزمني أرتبط أيضا بالسبق في الحصول علي
الاستقلال عام1923 وأن مصر استمرت حتي مطلع الستينيات أغني الدول
العربية في وقت كانت غالبية المنطقة تعيش في أجواء تعليمية وسياسية مختلفة
تماما.
ومن منتصف ستينيات القرن الماضي تغيرت الظروف الموضوعية في المنطقة فحصل
عدد أكبر من الدول العربية علي الاستقلال وتعرضت مصر لهزيمة موجعة في
عام1967 ثم حدث التحول في موازين القوي الاقتصادية والمالية وسعت دول
عربية إلي إنشاء مؤسساتها الفكرية والثقافية مستخدمة في ذلك أعدادا كبيرة
من المثقفين المصريين وقامت بإنشاء جوائز ثقافية كبري كما وظفت أجهزة
إعلامها لتسليط الضوء علي أحداث وشخصيات بعينها..
فهل يعني هذا بالضرورة تراجع دور مصر الثقافي ؟.. إنني لا أميل إلي
الحديث عن تراجع وإنما يكون من الأدق القول إنه برزت مؤسسات وأنشطة ثقافية
في بلاد عربية أخري وإن هناك توظيفا أكبر للثروة للتركيز علي هذه
الأنشطة. ولكن من المؤكد أنه ليس في وسع الثروة أو التركيز الإعلامي أن
يخلق دورا ثقافيا.
فالثقافة هي ثروة مصر الحقيقية ومصدر تميزها وخصوصيتها بين دول العالم بل
أكاد أقول أن كلمة' مصر' هي تعبير ثقافي في حد ذاته يثير في أذهان
سامعيه تاريخا طويلا وحضارة ممتدة وتكوين اجتماعي وطني تبلور عبر مئات
السنين. ومن إدراك هذه الحقيقة فإن الإنسان يرحب بأي تطور أو نشاط ثقافي
في أي بلد عربي ولا يعتبر ذلك انتقاصا من الدور المصري بل إثراء له وتفاعل
معه.
ويستطيع الإنسان أن يسجل العديد من جوانب دور مصر الثقافي الراهن. ويكفي
أن أشير بإيجاز إلي الدور الثقافي الذي تقوم به مكتبة الإسكندرية و إلي
حصاد مشروع مكتبة الأسرة الذي اعتبرته منظمة اليونسكو نموذجا يحتذي به
وإلي تكريم الثقافة العربية في شخص نجيب محفوظ وحصوله علي جائزة نوبل وإلي
المساحة التي يشغلها الإنتاج السينمائي والمسرحي والدرامي المصري في جميع
الفضائيات العربية... وأخيرا أشير إلي إدراك المثقف أو المبدع العربي
إلي أهمية أن يكون له مكان ونشاط في القاهرة باعتبارها عاصمة الثقافية
العربية.
ومع ذلك فمازال أمام مصر تحديات لتأكيد دورها الثقافي وبعث الحيوية فيه
لعل أبرزها تحدي محو الأمية ونشر التعليم ورفع جودته وإدراك أن الثقافة
ليست عملا نخبويا يتم في صالات وغرف مغلقة بل هو نشاط يتعامل مع الملايين
يعبر عنهم ويتجاوب معهم وأن تشجيع المبدعين الجدد خارج العاصمة هو ضمانة
التجديد الثقافي. فمعين شعب مصر لا ينضب.
ويبقي القول أن أي دور لابد أن يتضمن' رسالة' و' مضمونا' والرسالة
الثقافية المطلوبة اليوم هي رسالة الدفاع عن العقل في مواجهة دعاوي
الخرافة التغييب العقلي وهي رسالة إقامة مجتمعات حديثة تقوم علي
الديمقراطية والعدل الاجتماعي; الديمقراطية التي تنهض علي مفهوم
المواطنة التي تضمن المساواة بين جميع المواطنين ويكون أساسا للعلاقة بين
الحاكم والمحكوم والعدل الاجتماعي الذي يضمن تكافؤ الفرص وان يكون لكل
مواطن نصيبه في ثروة بلده وعائد التنمية فيه.