شهد الدور الاقليمى المصرى فى أفريقيا نشاطاً واضحاً منذ قيام ثورة يوليو
، واتخذ أبعاداً جديدة ومتميزة، بما يتناسب مع روابط مصر الطبيعية بالقارة
الافريقية ، والقائمة على اعتبارات جغرافية ومصالح وروابط عديدة ، يأتى
النيل فى مقدمتها ، فضلاً عن الموقع المؤثر ، والقدرات البشرية والعسكرية
، والثقل الحضارى ، وغير ذلك من الاعتبارات التى تؤهل مصر لكى تكون فاعلاً
إقليمياً فى القارة الافريقية.ومع التسليم بأن الدور الاقليمى لمصر فى
القارة الافريقية قد تغير فى مضامينه وقضاياه وأولوياته على مدى نصف القرن
الماضى ، إلا أن الحكومات المصرية المتعاقبة لم تتخل عن مسئولياتها
واهتماماتها بالمصالح المصرية الكثيفة على الجانب الافريقى ، ومراعاة
تجديد الروابط وتوثيق العلاقات المصرية الافريقية فى ضوء المتغيرات
العالمية والاقليمية الجديدة.
ويمكن التمييز بين ثلاث مراحل رئيسية تشكل فى إطارها الدور الاقليمى
المصرى فى القارة الافريقية.تمثلت المرحلة الأولى فى الفترة من 1952 وحتى
عام 1977 ، وخلال هذه الفترة تبلور الدور الاقليمى لمصر كمحرر لأفريقيا
ومناهض للاستعمار ، كما تجسد الدور الاقليمى كذلك فى تحقيق التضامن
الافريقى.وتمثل أيضاً فى دور الزعامة أو القيادة الاقليمية ، والذى استمر
طوال هذه الفترة ، وكانت مصر فعلياً هى إحدى القوى الأساسية القادرة على
الحركة فى أفريقيا ، والمستعدة دائماً لمواجهة أى تدخل أجنبى تتعرض له
القارة.وكان لها الفضل الأول فى إنقاذ القارة ولفترة طويلة من أن تكون
مسرحاً للحرب الباردة أو أرضاً لصراع القوى العظمى.
أما فى المرحلة الثانية -77 ـ 1997 - فقد دخل الدور الاقليمى المصرى
تدريجيا فى مرحلة انتقالية ، طويلة نسبياً ، اتجه فيها الدور المصرى
للتركيز على الداخل ، وتبلور دور صانع التنمية الداخلية ، وصانع السلام
الاقليمى.كما اختلطت عناصر الدور فى هذه المرحلة لتشمل بعضاً من عناصر
الاستمرارية فى جوانب ، وبعضاً من عناصر التغير فى جوانب أخرى.وقد واجه
الدور الاقليمى لمصر خلال هذه المرحلة ضغوطاً كبيرة ، بدأت تُفرض عليه
لتثنيه عن اهتماماته وتوجهاته التى اعتاد عليها منذ ثورة يوليو.ومع ذلك
فقد اجتهدت السياسة المصرية فى أن تتمسك بالحد الأدنى من الالتزام
بالقضايا الافريقية وثيقة الصلة بالمصالح المصرية ، فاستمرت مصر فى مساندة
العمل الجماعى الافريقى ، ومساندة الأفارقة فى مناهضة التمييز
العنصرى.والمساندة هنا لاتعنى تحمل مسئوليات بقدر ما تعنى إصدار بيانات
واتخاذ بعض المواقف المساندة.ومع حلول منتصف التسعينات ، واجه الدور
الاقليمى المصرى فى القارة الافريقية أزمة حقيقية ، تمثلت عناصرها
الرئيسية فى تراجع أولوية الدائرة الافريقية فى اهتمامات السياسة الخارجية
المصرية ، وعدم ملائمة قضايا وموضوعات الاهتمام الافريقى للسياسة المصرية
أو الدور المصرى ، كما تصاعد دور المنافسين الدوليين والاقليميين ، هذا
فضلاً عن جمود الحركة المصرية الفاعلة فى منطقتى المصالح الحيوية الرئيسية
، وهما منطقة الدائرة النيلية ومنطقة البحر الأحمر والقرن الافريقى.
وقد تمثلت المرحلة الثالثة للدور المصرى فى افريقيا فى الفترة منذ 1998
وحتى الآن.وتميزت هذه المرحلة بعودة النشاط مرة أخرى للسياسة المصرية فى
الدائرة الافريقية ، حيث بدأ يتبلور الدور الاقليمى لمصر فى أفريقيا فى
شكل ومضمون جديد تمثل أساساً فى دور الدولة المعاون للنظام الاقليمى
الافريقى ، بما يعكس رؤية صانع القرار لأهمية التزام مصر التزاماً بعيد
المدى بالجهود التعاونية مع الدول الأفريقية الأخرى لبناء جماعات وتجمعات
أوسع وأسواق أكبر ، ونظم فرعية أوسع وأكثر أهمية.
كما تمثل الدور الجديد لمصر فى أفريقيا ، فى قيامها بدور حلقة الوصل
والجسر الدولى بين الأقاليم والنظم الفرعية ، وكذلك بين الثقافات
والحضارات.وقد ظهر بوضوح من خلال الخطاب السياسى الرسمى أن افريقيا أصبحت
تحتل مرتبة متقدمة فى أولويات السياسة المصرية كما تم تشكيل مجموعة وزارية
مصرية لبحث سبل تطوير علاقات مصر بالقارة الأفريقية ، ونشطت الدبلوماسية
المصرية على عدة جبهات أفريقية ، كان برزها التحرك لتحقيق المصالحة فى
السودان.كما بدأت مصر لأول مرة فى الانضمام للتجمعات الاقتصادية الافريقية
مثل تجمع دول 'الكوميسا' ، ثم انضمت بعد ذلك لتجمع دول الساحل
والصحراء.وتلى ذلك انضمامها لعضوية الاتحاد الافريقى الذى يحل محل منظمة
الوحدة الافريقية بعد انتهاء المرحلة الانتقالية.وقد لعبت مصر ومازالت
تلعب دوراً هاماً فى ضبط التوازن بين دول القارة الافريقية وأقاليمها وبين
القوى المختلفة فى العالم ، فضلاً عن دورها فى دعم جهود الاصلاح السياسى
والاقتصادى فى القارة.